http://www.algomhuria.net.eg/algomhuria/today/images/fffffffffffff.jpgيتعرض القطاع الخاص في مصر وعملية "الخصخصة" إلي حملة منظمة تستهدف تشويهمها في أعين الرأي العام.. فكل رجل أعمال فاسد.. وكل شركات القطاع العام ينبغي أن تبقي قائمة حتي لو خسرت وأفلست.. المنطق يقول إن الشركات لا تعطي حوافز ولا أرباحاً إذا أظهرت الميزانية العمومية لها خسارة في النشاط التجاري. لكننا في مصر لا نعترف بقواعد الاقتصاد.. لدينا أسس أخري نحكم بها علي الحكومة والدولة.. أهمها أن يحصل الجميع علي كل الحقوق ولا يقدمون أية واجبات.. ننام في منزلنا ونحصل علي كل شيء.. مسموح لنا أن نتمارض أو نلعب مباريات كرة قدم أثناء ورديات الإنتاج. ثم نحصل علي حقوقنا.. بعضنا يوقع في عمله وينصرف للعمل في مصنع آخر أو شركة أو صحيفةخاصة ويقول "الحالة صعبة" رغم انه عندما يهمل ولا ينتج فإنه أول من يزيد في صعوبتها.
الغريب ان الصحافة الخاصة والفضائيات في مصر المحروسة المملوكة لرجال أعمال كلها تتبني وجهة نظر اشتراكية تنص علي أن تقوم الدولة بتشغيل كل الخريجين سواء من يمتلك منهم مهارات العمل بالقطاع الخاص أولا.. ويجب أن يحصل الجميع علي حوافزهم وتدفع لهم الدولة ما يكفيهم من أجل حياة كريمة.. كما أن هناك مطالبات كثيرة برفع الحد الأدني للأجور إلي 1500 جنيه وهي مطالب عادلة.
علي أية حال يردد كثيرون أن الدولة عليها حل جميع المشاكل الاقتصادية للمواطنين. مع أننا لم نفكر يوما في الواجبات التي ينبغي علينا أداؤها حتي لا تعلن الدولة افلاسها.. لا أحد يفكر في أن الموارد محدودة والسكان يتزايدون بسرعة وتجدهم يضربون أمثلة بالصين والهند مع أن القوانين التي طبقت هناك لرفع معدلات النمو لا يمكننا تحمل وطأتها هنا.. فالصين تطبق قانون التعقيم بعد طفل واحد وتعتقل الذين يتسابقون بسياراتهم وتطبق أحكام السجن علي نشر أخبار كاذبة أو غير صحيحة.. في العالم كله من يريد العسل عليه أن يتحمل قرص النحل.
الغريب أننا في مصر لا ننظر إلي ما يحدث في دول عظمي مثل بريطانيا التي كانت حتي قبل سنوات تتمتع بأقوي اقتصاد بعد أمريكا ثم جاءت الأزمة المالية العالمية الكبري لتجعلها تئن وتركع وتشكو مثل أفقر الدول!
ان مصر رغم مشاكلها الاقتصادية المتشعبة والعجز في ميزانيتها لم تلجأ لبيع أرضها للأجانب.. لا أتحدث هنا عمن يشتري مصنعا أو يقيم ميناء ومطاراً أو يؤسس مجموعة شركات فهذا كله يخدم أبناء مصر في توظيفهم أو تشغيلهم. ولكنني أتكلم عن قيام دولة مثل بريطانيا ببيع غاباتها وأشجارها التي ظلت تحافظ عليها منذ القرن الثاني عشر الميلادي حتي الآن وتوجد عدة قوانين تحظر بيع أو قطع الأشجار الأمر الذي يؤكد انها تعيش أزمة كبري.
...وطأة الأزمة المالية علي بريطانيا جعلتها تعرض غاباتها الشهيرة للبيع وهي تشكل مساحة كبيرة من الجزر البريطانية.. فقبل أيام أعلنت كارولين سبيلمان وزيرة البيئة انها بصدد إعلان خطط لعرض 780 ألف هكتار "أكثر من مليون فدان" للبيع بحلول عام .2020
وقد أثار القرار المتوقع صدوره خلال مطلع شهر نوفمبر القادم احتجاجات عنيفة لأنه سيسمح بقطع أشجار الغابات التاريخية مثل شيروود التي كانت موطن "روبن هود" البطل الأسطوري الذي جسّده عدد من نجوم السينما العالمية في أفلام كثيرة.
المعروف ان الماجنا كارتا "القانون البريطاني" يحظر قطع الأشجار منذ عام 1215 ميلادية ولم تستطع أي حكومة بريطانية طوال ثمانية قرون أن تقترب من شجرة واحدة في انجلترا.
لكن للضرورة أحكام.. بيع المساحات الشاسعة للغابات في بريطانيا سيوفر سيولة للميزانية البريطانية التي تعاني عجزاً شديداً.. إجراءات التقشف ستمنع البريطانيين من أشياء كثيرة اعتادوها في الغابات مثل رحلات الصيد ولعب الجولف والتخييم في عطلات نهاية الأسبوع وتنظيم مسابقات العدو بين الأشجار.
بريطانيا ستسمح الآن بانتهاك قوانين عمرها 800 عام.. الأزمة المالية قاسية وتطحن المواطنين.. كثيرون لا يستطيعون ارسال أبنائهم إلي المدارس.. هذه هي بريطانيا العظمي التي كانت لا تغرب عنها الشمس يوماً!
ألم يكن الجنيه الاسترليني أقوي العملات!! ورفضت تاتشر ثم ميجور ثم بلير ثم جوردون براون أن يدخل في سلة العملات الأوروبية ويندمج مع اليورو العملة الأوروبية الموحدة! الآن أين ذهبت القوة الاقتصادية البريطانية؟!
لقد أظهر استطلاع أجراه مجلس المدارس المستقلة في بريطانيا ان نحو ثلث المدارس المستقلة يعاني من انخفاض أعداد التلاميذ خلال الفصل الدراسي الحالي بالرغم من الزيادة الملحوظة في عدد التلاميذ بصفة عامة.. وكشف الاستطلاع الذي تم اجراؤه علي 720 مدرسة خاصة أن 238 مدرسة تعاني انخفاض أعداد التلاميذ بها.
والآن دعونا نصدر حكماً عادلاً علي صمود مصر في الأزمة المالية العالمية! لم يحدث أن أفلست الخزانة.. أو حدثت أزمة سيولة.. لم نفقد الاحتياطي الدولاري في البنك المركزي.. لم نخصخص قناة السويس أو نبيع مصانع الحديد والصلب أو المحلة الكبري أو مصر للطيران.. بعنا بنكاً واحداً هو بنك الإسكندرية وذلك في إطار خطة لإدارة أصول الدولة.. وعندما لم تسفر عملية عرض بيع بنك القاهرة عن المبلغ المطلوب أوقفنا بيعه..
سندات الخزانة المصرية المطروحة للاكتتاب في الأسواق الخارجية تم تغطيتها بالكامل في الوقت الذي تواجه فيه سندات اليونان وإسبانيا وانجلترا صعوبة بالغة في تغطية اقتصادها.
مصر صامدة في وجه الأزمة المالية.. لدينا عجز في الموازنة ودين داخلي ضخم ودين خارجي ومع ذلك مازال الدعم سارياً والمنتجات البترولية تباع بسعرها المدعوم وانتهت أزمات كثيرة منها أزمة الخبز والسكر والأرز والقمح.. الاقتصاد المصري مر من عنق الزجاجة بينما اختنقت دول عظمي بحجم انجلترا وفرنسا وإسبانيا.. من يشاهد نشرات الأخبار بالتليفزيون سيعرف ان ربع محطات الوقود في فرنسا لا تصل إليها امدادات البنزين.. الاضطرابات تجتاح مصافي البترول والعمال يهددون بقطع الامدادات لمحطات البنزين وذلك احتجاجاً علي رفع سن التقاعد إلي 62 عاماً.. الفرنسيون لم يستطيعوا الخروج من بيوتهم أو قيادة سياراتهم.. اقتصر التنقل علي وسائل النقل العامة وسيارات المدارس والمصانع.. شبكة المواصلات مشلولة في فرنسا.
لا أقول ان الحياة في مصر جنة أو اننا ننعم برفاهية لا حدود لها ولكننا نقول إن العالم الغني والقوي اقتصادياً ينزف بغزارة. ونحمد الله أن معاناتنا لم تمتد إلي أن نبيع أراضينا ونقطع أشجارنا وننقل مياه النيل لآخرين.. الأزمة الاقتصادية جعلت بريطانيا تنهار بينما مازالت مصر صامدة ولله الحمد.
الخميس أكتوبر 28, 2010 2:12 pm
